تلخيص مرحليّ لمساق وكلاء/ وكيلات التغيير في مجال التخطيط الحَضَريّ
تلخيص مرحليّ لمساق وكلاء/ وكيلات التغيير للمهنيّين في مجال التخطيط الحَضَريّ، الهندسة المدنيّة، والهندسة المعماريّة
بالتعاون بين مدرسة السلام والمركز العربيّ للتخطيط البديل، هذه هي دفعتنا الخامسة معًا.
ما هو مساق المُخطِّطين/ المُخطِّطات اليهوديّ – الفلسطينيّ؟
يُستخدَم التخطيط الحضَريّ في البلاد في أحيانٍ كثيرة كأداة للسيطرة على الأقليّات وعلى الشعب الخاضع للاحتلال، وهو يتأثّر بقوى سياسيّة واقتصاديّة. ورغم أنّه يُنظَر أحيانًا إلى منظومة التخطيط على أنها غير مُسَيَّسة، فهي تتأثّر مباشرةً بحقوق الفرد والمساواة في الحيّز العامّ.
مساق المُخطِّطين/ المُخطِّطات التابع لمدرسة السلام يركّز على المُفترَق بين القوميّة والمهنة، وعلى التحدّيات التي يفرضها الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ على التخطيط الحضريّ. فهو يجمع بين معرفة المدرسة في تسوية النزاعات وبين المعرفة المهنيّة التي يمتلكها المركز العربيّ للتخطيط البديل، وهو مُعَدّ لمهنيّين من مجال التخطيط – نصفهم فلسطينيّون ونصفهم يهود.
يستمرّ المساق سنة، من آذار 2024 إلى آذار 2025، بنظام 120 ساعة دراسيّة، مع 22 مُشارِكًا ومُشارِكة.
ماذا حدث في اللقاءات حتى الآن؟ آذار – حزيران 2024
“منذ اللقاء، أضحى اليأس من حالة الدولة ملحوظًا أكثر فأكثر، ما جعل اللقاءَ بصيصًا من النور والأمل. أصبحتُ متحمّسًا للقيام بأمور مؤثِّرة من الآن”. – مشارك يهوديّ
“وجدتُ مكانًا آمنًا للحديث وخرجتُ أحمل رجاءً. شعرتُ أنّ عليّ تعلُّم المزيد”. – مشارِكة فلسطينيّة
بدأ مساق المُخطِّطين والمُخطِّطات بسلسلة لقاءات عميقة وهامّة، تطوًّر فيها حوارٌ صادق ومفتوح بين المُشارِكين والمُشارِكات اليهود والفلسطينيّين، الذين يأتون جميعهم من مجالات التخطيط المختلفة (التخطيط الحضَريّ، الهندسة المعماريّة، الهندسة المدنيّة، وما شابَه). كانت المواضيع التي طُرحت متعلّقة بالواقع السياسيّ والاجتماعيّ الآنيّ، مع التشديد على تبعات الحرب المستمرّة، الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ، وتحدّيات التخطيط في هذا الواقع المُرَكَّب.
طُرحت في الوحدات الحواريّة مواضيع مُرَكَّبة، مثل العلاقة بين الوضع الحاليّ ونكبة 1948، الشعور باليأس جرّاء الحرب والوضع السياسيّ، التنكيل بالفلسطينيّين – سواءٌ في مراكز الاحتجاز مثل حالة مطار تيمن (بئر السبع) أو في حياتهم اليوميّة تحت الاحتلال والحرب. إضافةً إلى ذلك، طُرحت مواضيع مرتبطة بالخطاب الدوليّ، مثل التظاهرات المؤيّدة للفلسطينيّين في الجامعات حول العالم وردود الفعل المُختلَطة تجاهها من جانب المُشارِكين اليهود.
نوقِش موضوع التخطيط في المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل بتوسُّع، حيث ركّز المُشارِكون الفلسطينيّون على الحاجة إلى تعزيز مجتمعهم وبنائه، مع مواجهة التحدّيات المُرَكَّبة التي تضعها السياسة المكانيّة الإسرائيليّة أمامهم. أمّا المشاركون اليهود فقد طرَحوا قضايا داخليّة إسرائيليّة، مثل قرار المحكمة العليا بشأن تجنيد الحريديّين. أفرز النقاش حول الموضوع فجوات واضحة بين المجموعتَين، حيث فضّل الفلسطينيّون التطرُّق إلى القضايا الكُبرى كوقف الحرب والحاجة إلى التوصُّل إلى تسوية سياسيّة.
أثْرَت المُحاضَراتُ التي قُدّمت خلال اللقاءات النقاشاتِ وساهمت في فهم أعمق للتحدّيات المكانيّة والسياسيّة. قدّمت المهندسة المعماريّة رنين عودة، خرّيجة الفوج الثالث من مساق المُخطِّطين والمُخطِّطات، مُحاضَرة حول العقبات التي تعترض السكّان الفلسطينيّين في إسرائيل في مجال التخطيط. قدّم البروفسور أورن يفتحئيل مُحاضَرة حول النظام المكانيّ الإسرائيليّ وقضيّة فلسطين، مع المقارنة بين الإثنوقراطيّة والأبارتايد، فيما تحدّثت د. عناية بنّا – جريس عن تحدّيات التخطيط والبناء في المجتمع الفلسطينيّ، مع التشديد على الفَصل المكانيّ الذي يعاني منه السكّان الفلسطينيّون.
للإجمال، خلقت اللقاءات حوارًا مفتوحًا ومُركَّبًا حول أسئلة الهويّة، المسؤوليّة، والتخطيط في واقع الصراع المستمرّ. عبّر المُشارِكون عن مشاعر مُختلَطة من اليأس من الأوضاع، إلى جانب الرغبة في المًشارَكة الفاعلة في التغيير وإيجاد حلول عبر الحوار والعمل المهنيّ المُشترَك.
—
بُقعة ضوء على مُشارِك في المساق: ماجد راس، 31 عامًا، من سكّان يافا، من قلنسوة في الأصل
بدأ ماجد مشواره كمدقّق حسابات، بعد أن درس الموضوع في جامعة تل أبيب وعمل في المجال 5 سنوات. بموازاة ذلك، لطالما كان ناشطًا سياسيًّا. في مرحلةٍ ما، شعَر بوجود انقطاع كبير جدًّا بين عمله اليوميّ ومصدر رزقه كمدقّق حسابات وبين نظرته السياسيّة والأهمية التي يوليها للعمل من أجل التغيير الاجتماعيّ. كناشط في التجمُّع الوطنيّ الديمقراطيّ، بدأ بالعمل مستشارًا برلمانيًّا للنائب سامي أبو شحادة، قبل أن يفهم أنه يرغب في العمل في حيّزات يكون له فيها تأثير مباشر على حياة الناس. وقد أثار اهتمامَه خصوصًا العملُ داخل ومع المجتمع الذي ينتمي إليه – المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل – لتحسين حقوقه وظروفه المعيشيّة. ينظر ماجد إلى مجال التخطيط على أنه يجمع بين عالَمَي الحياة اليوميّة والسياسة، ما دفعه إلى اتّخاذ قرار بدراسة الماجستير في مجال التخطيط الحضَريّ، وقد أنهى مؤخّرًا السنة الأولى في دراسته هذه.
يعمل ماجد اليوم مستشارًا اجتماعيًّا في مكتب بيبل – التخطيط الحضريّ الاجتماعيّ، حيث يرافق مواطنين ويدير مشاريع في بلدات عربيّة مثل كفر قاسم، الناصرة، وأم الفحم، ويدير تأهيلات على المستوى القُطريّ. كان ماجد الشخص الذي قاد المكتب، الذي يُعنى بالجوانب الاجتماعيّة للتخطيط ولكنّ نشاطه كان مقتصرًا على المجتمع اليهوديّ، كي يبدأ بالعمل داخل المجتمع العربيّ.
سمع ماجد عن مساقنا للمخطِّطين والمُخطِّطات من زملاء وأصدقاء اجتازوا المساق في الماضي وأوصَوا به. أثار فُضولَه أن يشارك في مساق حول التخطيط يتبنّى مقولة سياسيّة واضحة، وهو أمر نادر في هذا المجال حسب قوله. بالإضافة إلى ذلك، كمُخطِّط يعمل مع المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل، كان يبحث عن معرفة وأدوات في المجال تتعلّق بخصوصيّة هذا المجتمع – معلومات تكاد لا تُذكَر ولا يُتحدَّث عنها إطلاقًا في دراسات التخطيط في البلاد. يخبر ماجد عن المعرفة الواسعة والهامّة التي نالها من المحاضَرات في المساق وعن أهميّة فرصة الالتقاء بأشخاص آخَرين يُعنَون بمجالات مختلفة داخل عالَم التخطيط، وكيف فتَح له الأمر عوالِم جديدة.
بالنسبة لوجود حيّز يهوديّ – فلسطينيّ مرتبِط بمجال التخطيط في ظلّ حرب ضَروس مستمرّة، يقول إنّ الأمر ليس سهلًا بالتأكيد. من ناحية الحوار والنقاشات تحديدًا، يرى ماجد أنّ ثمّة إجماعًا بين جميع المُشارِكين والمُشارِكات حول مسائل جوهريّة، فيما الصعوبة الأساسيّة هي في مُواجَهة الواقع في الخارج. السؤال الذي يُطرَح على الدوام ولا يُعثَر له على إجابة هو كيف يمكن التأثير على الحيّز في الخارج، في مجال التخطيط وبشكلٍ عامّ. يقول ماجد: “المساق يدعم أجندة سياسيّة ويسعى إلى إنشاء حالة سياسيّة ما، الواقع في الخارج بعيدٌ كلّ البُعد عنها وهو لا يزال يبتعد عنها، ويصعب فهم كيفيّة العمل في ظلّ هذه الفجوة”.
يتابع ماجد مُخبِرًا أنّ ما يشجّعه في المساق هو “الشعور أنه خلافًا للواقع في الخارج، الذي يُسكَت فيه كلّ صوت يعبّر عن احتجاج أو انتقاد للوضع، فإنّ المساق هو حيّز مُميَّز يختار عمدًا وبقوّة عدم تجاهُل الوضع، بل طَرْحَ جميع الكلمات، المشاعر، الصعوبات، الصراعات، والحديث عن كلّ شيء. داخل هذا الواقع المستحيل، ثمّة هنا نموذج ناضج لمواجهة الوضع، وهذه نقطة قوّة المساق”.
—