هل يجدر بنا العمل في الجامعات في وقت تسمح فيه هذه المؤسّسات التعليميّة بالملاحقة السياسيّة؟
تلخيص سنة من المساقات الحواريّة لمدرسة السلام في الجامعات
نقيم منذ 34 سنة مساق حوار عربيّ-يهوديّ في الجامعات. يُعتبر هذا المشروع أحد أكبر مشاريعنا التي تستهدف الشباب والشابات. خلال هذه السنة الصعبة والحرب والمستمرة، نجحنا في إقامة 6 مساقات في مختلف المؤسّسات الأكاديميّة في البلاد. شارك في هذه المساقات 75 طالبًا وطالبة فلسطينيّين ويهود من جميع المجالات الدراسيّة.
نشهد من اندلاع الحرب ملاحقات سياسيّة في جميع الميادين، وخاصة في الأطر الأكاديميّة. تعرض طلاب وطالبات فلسطينيّون وفلسطينيّات للملاحقة، والبعض منهم استبعد عن الدراسة بسبب مشاركة أفكارهم السياسيّة على شبكات التواصل الاجتماعيّ. تعرّض محاضرون ومحاضرات فسلطينيّون وفلسطينيّات للاعتداء والتوقيف وللتحقيقات لدى الشرطة، كما حدث في حالة بروفسور نادرة شلهوب-كيفوركيان، والتي عبّرت عن اعتراضها على جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربيّة (للاطّلاع على تعقيبنا على هذا الموضوع، من شهر آذار 2024).
هذه الأحداث كشفت الستار عن التناقض القائم في المؤسّسات الأكاديميّة التي يفترض أن تكون أطرًا ليبراليّة وديمقراطيّة، بينما تتم هناك عمليًا ممارسات قامعة للمجتمع الفلسطينيّ، لطلاب ومحاضرين مواطني الدولة الذي يستحقون الحصول على حقوق متساوية. في أعقاب ذلك، طُرحت أسئلة عديدة، على سبيل المثال: هل يجدر بنا متابعة المساقات في المؤسّسات الأكاديميّة التي تواجه صعوبة في التعبير عن اعتراضها على جرائم الحرب ودعم صفقة إعادة المختطفين، وتتيح المجال للملاحقة ومساعي الإخراس؟ هل يمكننا أن نضمن للمشاركين /المشارِكات بأن يكون حيّز الحوار حيّزًا آمنًا؟ ألّا يتعرّضوا للملاحقة بعد المساق؟ هل قد تسهم إقامة الحوار في هذه المرحلة إلى تطبيع علاقة القوة غير المتساوية بين المجموعتين، واستنساخ القمع الممارس في الخارج؟
على الرغم من جميع المعضلات، قرّرنا المتابعة. الميدان الأكاديميّ هو أحد الميادين الأهمّ، على المستويين المحليّ والعالميّ، في بلورة هوية وتطوير التفكير النقديّ. لهذا السبب، دخلنا هذا المجال منذ 34 عاما، ولهذا السبب، قررنا متابعة العمل حتى في هذه الفترة الصعبة. آمنا بقدرة النهج المتّبع لدينا على تحديد المسار الصحيح رغم هذه الفترة العصيبة، وإتاحة المجال للمشاركين/المشاركات لخوض تجربة عميقة ومؤثّرة.
إقامة المساقات في هذه الفترة الصعبة أتاحت المجال للمجموعتين للتركيز على “الجوهرّ” وتجنّب “الضوضاء”. تقول إحدى الموجّهات: “الحرب جعلت المشاركين/ات يركّزون على الجوهر، منذ بداية الصراع في عام 1948، والتطرّق بقدر أقلّ إلى الحياة اليوميّة، كما كان الحال في المساقات في السنوات الماضية”. بالإضافة إلى ذلك، أتيح للمشاركين والمشاركات حيّز للتعبير عن الحزن وألم الفقدان لدى الطرفين، وتحمّل المسؤولية ضمن سياق موسّع.
وجود حيّز آمن في فترة عصيبة كهذه أتاح المجال للتعبير عن الشعور الشخصيّ والجمعيّ لدى المشاركين والمشاركات بالخوف. تقول إحدى المشاركات الفلسطينيّات: “المساق دعمني نفسيًّا في هذه الفترة، في كل لقاء، أشعر بأنّني أكثر صدقًا. تحدّثت إحدى المشاركا اليهوديات عن المساهمة الكبرى لهذه اللقاءات: “سماع قصص عائلات ومعارف أفراد المجموعة الفلسطينية جعلني أدرك أن دولة إسرائيل لم تولد من عدم، إنّما على حساب عائلات كانت تسكن هنا من قبل”.
في نهاية السنة الأكاديميّة واختتام المساقات، نحن سعداء وفخورون بالسيرورات العميقة والمركّبة التي خاضها المشاركون. في هذه السنة، التي خرج في المجتمع الأكاديميّ في العالم إلى الشوارع مناديًا بحقيق العدالة، الحرية والمساواة، أدركنا قدرتنا على التأثير، والمسؤولي المقاة على عاتقنا جميعًا في مثل هذه الفترة التاريخيّة.
في الصوره: مجموعة حوار في المركز الاكاديمي روبين, حزيران 2024
__