نقاش حول موضوع التحرير، بمشاركة د. عرين هواري ويسرائيل فري
“لا حاجة لأعمال بطوليّة، المطلوب هو أن يخرج كل واحد وواحدة منّا فقط من منطقة الراحة والسعي لتحقيق العدل والمساواة والتحرير، يتوجّب على كل واحد وواحدة منّا القيام بخطوة بسيطة فقط- لنتمكّن من تحقيق تغيير حقيقيّ.”
“الملاحقة تعيقنا بدون أدنى شكّ، ولكنّ صمتنا ليس ثابتًا، بل يدفعنا قدمًا، وهنا لدينا دور يجب أن نؤدّيه- حتى إن لم تتح لنا إمكانية الكلام أو الكتابة، من المهم الحفاظ على موقف أخلاقيّ واضح، وهنا يكمن التحرير”.
نقاش حول موضوع التحرير
في إطار مؤتمّر الخرّيجين/الخرّيجات السنويّ الثالث في مدرسة السلام، حزيران 2024
كما في كل سنة، ولدعم الحوار والاستماع إلى وجهات نظر لخبراء/خبيرات ولنشطاء ميدانيّين/ميدانيّات، تخلّل المؤتمر ندوة مركزيّة استضفنا فيها متحدّثيْن: د. عرين هواري، ناشطة نسويّة ومديرة مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، ويسرائيل فري، صحفيّ مستقل. وجّهت الندوة اثنتان من أعضاء طاقم مدرسة السلام: موران بَرير ونور أبو راس. اخترنا إدارة الندوة على شكل حوار تفاعليّ وليس كمحاضرات منفصلة، وذلك لتمثيل السيرورة التي خضناها كـطاقم في الأشهر الأخيرة حول اختيار موضوع التحرير بشكل خاص، وحول الحوار التالي للحرب بشكل عام. أردنا لذلك أن يسهم أيضًا في تحقيق هدف المؤتمر وفتح نقاش حول موضوع التحرير- عدم إقامة سلسلة خطابات عن الموضوع، وعدم نقل المعرفة بشكل أحادي الطرف من قِبل الخبراء المهنيّين وتلقينه للمشاركين، بل خلق حيّز يتيح المجال لتدارس موضوع التحرير ووجهات نظرنا المختلفة حول الموضوع ولخوض سيرورة لرفع الوعي.
في الجزء الأول من الندوة، كان واضحَا أنّه قبل الغوص في موضوع التحرير- وهو موضوع جديد في الحوار ثنائي القوميّة في حيّزنا- يجب تناول المصطلحات القديمة والمألوفة لنا أكثر. تحدّث كل من يسرائيل وعرين عن مصطلح التحرير، مقارنةً بمصطلحات أخرى: تطرّق يسرائيل مثلًا إلى مصصلح “السلام” كمصـطلح مستهلك وخالٍ من المعنى الحقيقيّ، بينما تطرّقت عرين إلى مصطلحات مثل “تعايش” و “شراكة” قائلةً إنّهما من المصطلحات التي تبرّر الجرائم وتسهم في الحفاظ على علاقات القوة غير المتكافئة. سلّطت عرين الضوء أيضًا على المفارقة الكامنة في إقامة المؤتمر- وهو نشاط احتفاليّ بطبيعته- في وقت ترتكب فيه إبادة جماعيّة. شاركتنا عرين بتخبّطاتها بخصوص المشاركة أو عدمها، وربطت ذلك بحملة الإخراس والترهيب الموجّهة ضد الفلسطينيّين مواطني الدولة منذ اندلاع الحرب، وبأهمية الكلام والتعبير تزامنًا مع الملاحقة وإخراس الأصوات المناهضة للحرب. بعد هذه التوضيحات والتفاوض على المصطلحات الأخرى، غير التحرير، بدا لنا أنّه بإمكاننا التعمّق في موضوع التحرير، طرح أسئلة حول الموضوع وحول دورنا ومسؤوليتنا حِياله.
تحدّثت عرين عن الدور الخاص بفلسطينيّي الـ 48 في موضوع التحرير. وهي مجموعة تحظى من ناحية بامتيازات نسبية باعتبار أفرادها مواطنين في دولة إسرائيل، وتتعرّض من ناحية أخرى للملاحقة من طرف حكومة الدولة التي يحملون جنسيتها. تحدّثت أيضًا عن أهمية طرح أسئلة أخلاقيّة، توضيحها والإصرار عليها، باعتبارها بوصلة أخلاقيّة وسياسيّة، وأقل واجب ينبغي علينا نحن الفلسطينيّين مواطني إسرائيل الالتزام به. “الملاحقة تعيقنا بدون أدنى شكّ، ولكنّ صمتنا ليس ثابتًا، بل يدفعنا للأمام، وهنا، لدينا دور يجب أن نؤدّيه- حتى إن لم تتح لنا إمكانية الكلام أو الكتابة، من المهم الحفاظ على موقف أخلاقيّ واضح، وهنا يكمن التحرير.
تطرّقت عرين أيضًا إلى غياب قيادة فلسطينيّة تسهم في تحقيق الوحدة في النضال، وتساءلت عن ماهية الصوت الفلسطينيّ في الوقت الحالي. يوضّح هذا السؤال الواقع السياسيّ للمجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل والذي يعاني منذ سنوات طويلة من مشاكل اجتماعيّة وسياسيّة مثل الجريمة وهدم المنازل، وكيف تقضي أذرع الحكومات الإسرائيليّة دائمًا على قدرتهم على تحقيق هذا التنظيم. أفضى هذا الحوار إلى الفكرة أنّ الحاجة لهذا التنظيم هي حاجة أساسيّة لتحقيق تحرير وطنيّ. التنظيم السياسيّ والاجتماعيّ هو حاجة مُلحة ليس من أجل التحرير الوطنيّ فحسب، إنّما أيضًا من أجل بناء مجتمع مدنيّ قوي ومتماسك، قادر على مواجهة التحدّيات الدّاخليّة والخارجيّة التي تعترض طريقه.
تحدّث يسرائيل عن دور الإعلام في نقل صورة الواقع بدافع النزاهة والمسؤوليّة. الإعلام الإسرائيليّ في الوقت الحاليّ هو مجرّد بوق للمؤسّسة الرسميّة، منساق وراء الخطاب الشعبويّ ولا يقود خطابًا نقديًّا. يرى يسرائيل أنّ دور الإعلام الإسرائيلي يجب أن يكون مختلفًا، كما يفعل هو بنفسه- تصوير الواقع كما هو لتعريف الإسرائيليّين-اليهود بعواقب وآثار أفعالنا على الفلسطينيّين. شدّد على قدرة شبكات التواصل الاجتماعيّ على بلورة خطاب مختلف، وهي حيّز يستخدمه هو بنفسه كصحفيّ، وتكمن فيه أيضًا آثار سلبيّة، ولكنّه يستعين به لنشر وتعميم محتواه. يعتقد يسرائيل أنّه على الرغم من التغييرات السلبيّة الحاصلة في الواقع على المدى القريب- إلّا أنّه ستكون هناك قريبًا تغييرات إيجابيّة، لذلك، علينا نشر وتعميم رؤيتنا بدون أي مساومة وتنازلات، عدم المساومة على خطابنا ومبادئنا، عدم قبول “يهوديّة-ديمقراطيّة” و “مقاتل في غزة نهارًا ومتظاهرًا في كابلان ليلًا”، بل المـطالبة بتحقيق المساواة الكاملة، العدل والتحرير للجميع. قال يسرائيل إنّ السعي لتحقيق التغيير المنشود ليس مستحيلًا- “لا حاجة لأعمال بطوليّة، المطلوب هو أن يخرج كل واحد وواحدة منّا فقط من منطقة الراحة والسعي لتحقيق العدل والمساواة والتحرير، يتوجّب على كل واحد وواحدة منّا السعي القيام بخطوة بسيطة فقط- لنتمكّن من تحقيق تغيير حقيقيّ.”
طرح الجمهور وسط كل ذلك أسئلة أثارت لدينا جميعًا مختلف الأفكار، والتي تعمّقنا فيها أكثر فأكثر في المجموعات الحواريّة بعد الندوة، على سبيل المثال: ما هي الأثمان التي ندفعها عندما نسعى لتغيير الواقع في ظروف كهذه، وما الفرق بين الأثمان التي يدفعها اليهود والفلسطينيّون؛ معضلة شبكات التواصل الاجتماعيّ كعامل مؤثّر ومصدر مهمّ للمعرفة من ناحية، وتكمن فيه من ناحية أخرى إمكانات هدّامة لمساهمته في نشر الدعاية والأكاذيب؛ موضوع اللغتين- العربيّة والعبريّة- في سياق التحرير: كيف ينطوي استخدامنا للغات على القمع أو التحرير؟؛ معضلة العمل مع الجمهور الإسرائيليّ- كيف نوازن بين حمل الرسائل للجمهور العام وتغيير اللغة لنتمكّن من الالتقاء به حيث يتواجد، وبين أهمية الحفاظ على وضوح سياسيّ ومواقف واضحة؛ والسؤال الأكثر تعقيدًا- هل العملية التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر هي خطوة نحو التحرير، وكيف يمكن التوفيق بينها وبين رؤية النضال السلميّ؟
__