سيرورة حوار فلسـطينيّ-يهوديّ لمدة يومين حول موضوع التحرير
“ناقش الفلسطينيون السؤال حول ما إذا كانوا حقًا يسعون للتحرير، وما إذا كان بإمكانهم تحمّل المسؤوليّة اللازمة لإدارة مُجتمع مُحرّر. تحدّى اليهود خوفهم من التنازل عن الامتيازات وعن التناقض الكامن في مطالبة الفلسطينيّين بإدارة صراع سلميّ وفي الوقت نفسه الإصرار على استمرارية الجيش الإسرائيليّ.”
سيرورة حوار فلسـطينيّ-يهوديّ لمدة يومين حول موضوع التحرير
في إطار مؤتمّر الخرّيجين/الخرّيجات السنويّ الثالث في مدرسة السلام، حزيران 2024
في سيرورة حواريّة مكثّفة امتدت ليومين بين فلسـطينيّين/فلسطينيّات ويهود/يهوديّات، جميعهم خرّيجي/ات أنشطة سابقة في مدرسة السلام، تحدّثنا عن موضوع التحرير. في أوج الحرب تحديدًا، في الفترة الأشد تطرّفًا وقسوةً من حيث العنف والتقطّب، اخترنا تناول هذا الموضوع لبدء رسم معالم الطريق نحو تحريرنا جميعًا. وبينما تمحورت حواراتنا في المجموعة عادةً على موضوع القمع، سرنا هذه المرة خطوة للأمام باتجاه آفاق جديدة: التحدّث عن المستقبل، عن الغد. وليس من منظور اتفاقية سياسيّة محدّدة، إنما استنادًا إلى أسئلة عن موضوع التحرير- كيف سيبدو ذلك؟ كيف ينظر كل طرف إلى موضوع التحرير؟ ما هي مسؤوليتنا تجاه ذلك؟ ممَّ سيتحرّر الفلسطينيّون/الفلسطينيّات، ومِمَ سيتحرّر اليهود/اليهوديات؟ وما هي الأمور التي لا يقبل أي طرف التحرّر منها؟ هل يمكن لكل طرف أن يتخيّل نفسه مُحرّرًا؟ ما هي أثمان التحرير؟
الحوار هو الأداة الرئيسيّة في مدرسة السلام، ويهدف إلى تعزيز الوعي حول القمع القائم وعلاقات القوة بين المجموعات القوميّة، إتاحة المجال لكلّ من المشاركين/المشاركات في تدارس وفهم موقعه في الواقع السياسيّ والتشجيع على أخذ دور من منطلق الشعور بالمسؤولية والكفاءة الذاتيّة. باعتباره أداة مركزيّة في عملنا، كان الحوار أداة مركزيّة في المؤتمر أيضًا. توزّع المشاركون/المشاركات في المؤتمر على 4 مجموعات ثابتة، بحيث ضمّت كل مجموعة 14-20 مشاركًا/مشاركة. النسبة بين الفلسطينيّين/الفلسطينيّات كانت تقريبا 1:3، مع أغلبية يهوديّة. امتد الحوار على يومين: 3 لقاءات ثنائيّة القوميّة ولقاءان ثنائيا القوميّة. دار الحوار في كل مجموعة على يد موجّهتين من مدرسة السلام: موجّهة فلسطينيّة وموجّهة يهوديّة. دار الحوار بالعبرية والعربيّة، مع مترجم فوريّ ملازِِم لكل مجموعة.
هذه السنة، استثمرنا كثيرًا في الجانب الحواريّ في المؤتمر، وأجرينا عدة لقاءات تحضيريّة للموجّهات استعدادًا للمؤتمر، خلاله وبعد انتهائه، وذلك لتحسين وتعزيز قدرة الحوار على قيادة سيرورة مؤثّرة وعميقة في المؤتمر. أفادت الموجّهتان والمشاركون/المشارِكات على حد سواء بأنّهم مرّوا جميعًا بسيرورة تمكينيّة وعميقة خلال الحوار في المؤتمر. اختيار موضوع التحرير رافقَ الحوار وشكّل فاتحة لمحادثة مختلفة عن المعتاد، فبينما اعتدنا أن نتناول في حوارات مدرسة السلام موضوع القمع، بدأنا هذه المرة بالتحدّث عن شيء آخر، عن المستقبل، عن التحرير من القمع. ولم تكن هذه المحادثة سهلة. موضوع التحرير كشف الستار عن مخاوف عميقة لم نتناولها من قبل. في الحوارات الجماعيّة التي أقمناها منذ الحرب، سمعنا كثيرًا عن مخاوف اليهود بعد السابع من أكتوبر من فقدان الشعور بالأمان الشخصيّ ومن العنف الذي مورِس في تلك المجزرة. بالمقابل، سمعنا عن خوف الفلسطينيّين/الفلسطينيّات من واقع الإخراس والترهيب الذي يعيشونه منذ بداية الحرب، ومن هول الإبادة الحاصلة في غزة. ولكن في المؤتمر، نجحنا من خلال الحوار بتناول مخاوف إضافيّة، مثل الخوف من التفكير بالتحرير، وبعمليّة التحرّر نفسها. أعرب اليهود عن تخوّفهم من التحرّر من المكانة المتميّزة التي يحظون بها والتنازل عن الجيش مثلًا، بينما أعرب الفلسطينيّون عن خوفهم من تحمّل المسؤوليّة تجاه المجتمع والواقع السياسيّ بعد التحرير- وقد طُرحت تساؤلات حول كيفية إدارة مجتمع حرّ بعد سنوات طويلة من القمع والظلم؟
في الحوار ثنائي القومية، طُرحت أسئلة عن العلاقات وعن الشراكة، وعن توقّعات كل مجموعة من المجموعة الأخرى. طُرِحَ السؤال عن دور كل طرف في التحرير، عن مسؤولية كل طرف في سيرورة التحرير وبعد انتهائه؟ أثيرت مشاعر صعبة أبرزها اليأس والإحباط من الوضع، بالإضافة إلى خيبات الأمل المتبادلة بين الطرفين- انتظر بعض اليهود قدرًا أكبر من الاعتراف بألمهم في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر، وأعرب بعض الفلسطينيّين عن غضبهم من اليهود لكونهم جزءًا من آلية القمع.
الحوار أحاديّ القوميّة أتاح المجال للتعمّق في أسئلة صعبة لم تطرَح من قبل، خاصة تلك المتعلّقة بتحمّل مسؤولية التحرير وأثمان التحرير. ناقش الفلسطينيون السؤال حول ما إذا كانوا حقًا يسعون للتحرير، وما إذا كان بإمكانهم تحمّل المسؤوليّة اللازمة لإدارة مُجتمع مُحرّر. تحدّى اليهود خوفهم من التنازل عن الامتيازات وعن التناقض الكامن في مطالبة الفلسطينيّين بإدارة صراع سلميّ وفي الوقت نفسه الإصرار على بقاء الجيش الإسرائيليّ.
إلى جانب المشاعر الصعبة، تطرّق العديد من المشاركين إلى النشاط الميدانيّ الذي يشاركون فيها، ابتداءً من التواجد في الضفة الغربيّة لتوفير الحماية، ومن خلال الأنشطة المناهضة للحرب خارج البلاد. قال العديد من المشاركين إنّ اللقاء المشترك عزّز من شعورهم بالقوة، وإنّ إمكانية التحدّث والتعمّق في التفكير ساعدتهم على تحرير فكرهم من القمع وتحرير كلمتهم من مساعي الإخراس والترهيب، ويعتبر ذلك خطوة مهمّة في الطريق نحو بلورة الوعي لفكرة التحرير.
__