حياة الفلسطينيين مهمّة
حياة الفلسطينيين مهمّة | Palestinian lives matter
حُكم على الشرطي قاتل جورج فلويد بالسجن الفعليّ بعد أن وجدت هيئة المحلّفين أنّه مذنب. أمّا الشرطي الذي قتل إياد الحلاق، فقد تمّت في الشهر الماضي تبرئته في من كل جرم. تكتب د. ناڤا زونننشاين عن أوجه الشبه والاختلاف بين الحادثتين- على مستوى الجريمة وعلى مستوى العقوبة- وعن التنميط العنصريّ ضد الـ “آخر” وشيطنته في المجتمع الإسرائيليّ.
بقلم د. ناڤا زونننشاين، مدرسة السلام في واحة السلام
في مقالة نُشرت في 3 تموز 2020، عرّفت صحيفة نيويورك تايمز حركة Black Lives Matter كأكبر حركة احتجاجيّة في الولايات المتحدة، بعد حركة حقوق الإنسان بقيادة مارتن لوثر كينغ. خرج نصف مليون شخص أسود وأبيض في مظاهرات أقيمت في نحو 550 مكانًا في 21 ولاية في الولايات المتحدة. أقيمت يوميًا أكثر من 140 مظاهرة في أعقاب الحادثة- مقتل جورج فلويد بواسطة خنقه على يد الشرطيّ Derek Chauvin. وقعت الحادثة في موعد قريب من مقتل إياد الحلاق.
في 24 أيار 2020، اتصل عامل متجر بالشرطة وأبلغ بأنّ جورج فلويد، رجل أسود في الـ 46 من عمره، دفع بعملة ورقيّة مزيّفة بقيمة 20 دولارًا. كان فلويد متواجدًا بقرب مركبته عندما أتى عناصر الشرطة “لمعالجة” المشكلة. حاول عناصر الشرطة، وعددهم 4، إدخاله إلى المركبة عنوة بينما اعترض هو، فأوقعوه أرضًا. وضع الشرطيّ ديريك شوڤين (Derek Chauvin) رجله على عنق فلويد، ومع أنّ فلويد قال نحو 20 مرة إنّه غير قادر على التنّفس، استمر الشرطيّ في خنقه حتى الموت.
في مقالة نشرت في 29 حزيران 2022 في نيويورك تايمز، جاء أنّ بيتر أ. كاهيل (Peter A. Cahill) حكَم على ديريك شوڤين بالسجن الفعليّ لمدة 22.5 عامًا بعد أن وجدت هيئة المحلّفين أنّه مذنب. رجال الشرطة الثلاثة الآخرون أقيلوا من عملهم، وحكم عليهم بالسجن لعدد سنوات أقل. قال القاضي في خطابه الختاميّ إنّ هذه الواقعة انطوت على سوء استغلال لمنصب قوة. تجاهل الشرطي توسّلات فلويد بأنّه غير قادر على التنفس. تطرق القاضي إلى الوحشية المفرطة في جريمة خنق الشرطي لفلويد. خنق الشرطيّ فلويد لِما يزيد عن 9 دقائق، بينما كان فلويد يتوسّل إليه خوفًا على حياته. في الورقة التلخيصيّة التي أصدرها، يشرح القاضي قراره. جاء في الورقة أنّ وظيفة الشرطة في مينيابوليس تتضمّن السماح للمواطنين بالتعبير عن أنفسهم وإعطاءهم القدر الكافي من الاحترام، ولكن الشرطيّ ديريك شوڤين تعامل مع جورج فلويد بطريقة تفتقر للاحترام (respect) وحفظ الكرامة (dignity)، واللذين يجب الالتزام بهما في التعامل مع أي شخص، كما لو كان صديقًا أو جارًا.
مقتل جورج فلويد هو حادثة تمثّل ظاهرة واسعة النطاق تتمثّل بسهولة قتل عناصر الشرطة لمواطنين على خلفية التنميط العنصريّ (racial profiling) في الولايات المتحدة، فقط لأنّهم من أصحاب البشرة السوداء.
قتل جورج فلويد في 25 أيار 2020. بعد خمسة أيام، في 30 أيار 2020، قتل شرطيّ من حرس الحدود إياد الحلاق، شاب فلسطينيّ يعاني من التوحّد، وهو في طريقه إلى عيادة في البلدة القديمة. لم يكن الشاب مسلّحًا، ولم يشكّل خطرًا على أحد. بسبب خوفه من عناصر حرس الحدود، اختبأ في غرفة نفايات، وقد قالت امرأة فلسطينية تعمل في مركز إلفين، حيث يدرس إياد يوميًا، للجنود: “إنّه معاق، اتركوه وشأنه”، وصرخ إياد: “أنا معها، أنا معها”، ومع أنّ قائده أمره بوقف إطلاق النار، إلّا أنّ الشرطيّ أطلق النار وقتل إياد.
في الحكم القضائيّ الذي صدر يوم 6 تموز 2023، برّأت القاضية حانا مريم لومف شرطي حرس الحدود من كل جرم. مع أنّها أعربت عن أسفها لمصاب عائلة القتيل، ولكن ما هي الرسالة التي حملتها لعائلته وللشعب الفلسطينيّ القابع تحت وطأة الاحتلال القائم منذ عشرات السنين؟ ما هي الرسالة التي حملتها للجنود، المخوّلين بقتل أي فلسطيني متواجد أمامهم، لمجرد أنّ الجندي أو شرطي حرس الحدود قد يشعر بدون أي موضوعية بأنّه مهدّد، وعدم تلقي أي عقوبة على ذلك؟ فكلّ فلسطينيّ هو عبارة عن تهديد محتمل بموجب منظومة التنشئة الاجتماعيّة في المجتمع الإسرائيليّ.
الرسالة التي وصلت عائلة إياد ومواطني إسرائيل اليهود والعرب هي أنّ حياة الفلسطينيين تساوي قشر الثوم. هذا جزء من مساعي الشيطنة التي يقودها المجتمع الإسرائيلي، منذ نشوئه، تجاه الفلسطينيين. كل فلسطينيّ هو عبارة عن قنبلة موقوتة، هذا ما يُغرس في الأذهان منذ سن صغيرة.
تلت قرار القاضية لومف مظاهرة شارك فيها نحو مئة شخص في باحة مبنى همشير. في الولايات المتحدة، خرج نصف مليون شخص إلى الشوارع، بيضًا وسودًا، لأنّهم يكترثون للآخر المختلف عنهم. لأنّهم يعتبرون الأسود إنسانًا مثلهم. لأنّهم يعترضون على التنميط العنصريّ. القاضي من مينيسوتا اعتبر جورج فلويد إنسانًا جديرًا بالاحترام الحقيقيّ، كأي إنسان آخر. القاضي من مينيسوتا أولى أهمية قصوى للرسالة التي يحملها للمجتمع الأمريكي، الرسالة الذي يريد أن يمرّرها للبيض وللسود، وللقيم الإنسانية التي يجب الحفاظ عليها في المجتمع الذي يعيشون فيه. لماذا لم تر القاضية حانا مريم لومف كلّ ذلك؟
الصراع على إنسانيّة كل طرّف في الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ يقع في لبّ الخطاب العام والديناميكا بين الجانبين. بناء وبلورة إنسانيتنا، نحن اليهود الإسرائيليّين، تتم بواسطة مقارنتها بعدم إنسانيّة الفلسطينيين (زوننشاين، 2008*). تصوير الفلسطينيّ كإرهابيّ محتملّ يقوّض ويهدم كل فرصة لتحقيق السلام وبناء مجتمع مشترك متكافئ في حيزنا هذا.
أود ربط ظاهرة عدم اعتبار الفلسطينيين آدميين مثلنا بواقع التقصير الجاد في معالجة آفة العنف في المجتمع العربي من قبل الشرطة. أرى أنّ هذا التقصير نابع من نفس التوجّه. بلغ عدد القتلى في البلدات العربية منذ مطلع العام الحاليّ 135 قتيلًا. لو ساد واقع كهذا في المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ، لتمكنت الشرطة من معالجته واجتثاث الآفة من جذورها. إنّ عدم اهتمام الحكومات بضائقة المجتمع العربي وعدم اتخاذ تدابير جدية وحقيقيّة للقضاء على الجريمة المنظّمة نابعان للأسف من مساعي الشيطنة آنفة الذكر، شيطنة الـ “آخر”.
*זוננשיין, נ. (2008), דיאלוג מאתגר זהות, הוצאת פרדס.
_