من مدن فلسطينيّة إلى مدن [غير] مختلطة | عمر الغباري
محاضرة: من مدن فلسطينيّة إلى مدن [غير] مختلطة
ألقاها: عمر الغباري، مدير الحيّز والعودة في جميعة “ذاكرات”
ألقيت المحاضرة في إطار دورة قادة التغيير في المدن المختلطة، الفوج 7، اللقاء 5
التاريخ: 22.12.23
ألقى عمر محاضرة شيّقة أعدّت خصيصًا لدورتنا والتي تسرد قصة نشوء المدن المختلطة من منظور النكبة. يأخذنا أولًا في رحلة تعرّفنا بالمدن الفلسطينيّة، نموها وازدهارها كمدن رئيسيّة في الحيّز الفلسطينيّ- والتي كانت معاقل للثقافة، الهوية، التجارة وغير ذلك. المدن الفلسطينيّة التاريخيّة هي: يافا، حيفا، بيسان، القدس، المجدل صفد، طبريا، بئر السبع، اللد، الرملة. دعمت الدولة العثمانيّة تعزيز مكانة هذه المدن، ولكنّ التغيير بدأ بعد الحرب العالميّة الأولى، في أعقاب وعد بلفور. دعم البريطانيون الصهاينة ومنحوهم اعترافًا سياسيًا على حساب الفلسطينيين، وعندها، بدأ الصهاينة بالتحدّث عن هدم المدينة الفلسطينيّة. يتم أولًا طمسها وتغييبها في الوعي، ثم تخفى في الحيّز الماديّ. جميع المدن الفلسطينيّة المهمّة احتلت قبل قيام الدولة، وتم تهجير كلّ سكانها تقريبًا- في بعض المدن، تم تهجير جميع السكان، وفي مدن أخرى، بقي عدد قليل من السكان لا يتعدى بضع مئات أو بضع آلاف.
يتوقّف عمر عند حالات خاصّة ضمن هذه المدن، مثل مدينة القدس التي احتلت عام 1948 وتم تهجير جميع سكّانها (ما يعتبر حاليًا القدس الغربيّة). يعتبر البعض اليوم القدس مدينة مختلطة، ولكن ذلك يعود للاحتلال في عام 1967 الذي تمّ في إطاره توسيع حدود مناطق النفوذ البلديّة للمدينة، مما أدى إلى ضمّ قرى فلسطينيّة إلى مناطق نفوذها. إن لم يفعلوا ذلك- لكان مصيرها كمصير مدينتيْ صفد أو طبريا، اللتين تم إخلاؤهما تمامًا من سكانهما الفلسطينيين، وهما الآن مدينتان يهوديتان صرفًا. كانت حيفا وطبريا “المدينتين المختلطتين” الحقيقيتين الوحيدتين قبل عام 1948- أي أنّه حتى عام 1948، كان نصف سكان كلّ من المدينتين يهودًا والنصف الآخر عربًا. ولكنّ جميع سكان طبريا العرب هجّروا منها. المجدل هي حالة أخرى مثيرة للاهتمام، فقد بقي فيها السكان الفلسطينيون في عام 1948، وفقط في عام 1950، قام الجيش الإسرائيليّ بتهجيرهم. ذلك يعني أنّ مدينة المجدل، والمعروفة حاليًا باسم أشكلون، كانت ستكون إحدى المدن المختلطة “الكلاسيكيّة”، لو لم يهجّر منها الفلسطينيون في عام 1950.
بعد الاحتلال، التهجير ومنع السكان المهجّرين من العودة إلى بيوتهم- تتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين الذين بقوا في هذه المدن بواسطة الغيتوهات- فهي تحاصرهم في منطقة محدودة ومسوّرة داخل المدينة، وذلك لمدة سنتين، لا يمكنهم الخروج خلالها من هذه المنطقة إلّا بإذن خاص. ممتلكاتهم الأصليّة تُنهب منهم- أو أنّها تهدم أو يتم الاستيلاء عليها من قبل اليهود.
لا يوجد حتى الآن تعريف رسميّ حكوميّ لماهية المدينة المختلطة. هناك ميل لتعريف المدينة المختلطة على أنّها مدينة يقطنها سكان يهود وعرب. مع مرور السنوات، وبناء على هذا التعريف، وعلى الرغم من إضافة مدن أخرى إلى هذه الفئة- بئر السبع، كرميئيل، نوف هغليل ومدن أخرى، يدّعي عمر أنّ المدن المختلطة “الكلاسيكيّة” أو “الأصليّة” هي عمليًا المدن التي مرّت بصدمة التطهير العرقيّ في عام 1948، ولم يتم تهجير جميع سكانها. مع أنّ تعريف “المدينة المختلطة” قد يبدو لطيفًا وإيجابيًّا، إلّا أنّه يخفي صدمة التهجير، النهب، التفكيك والقمع. صدمة ما زالت قائمة حتى الآن، وقد شهدنا عودتها في أحداث أيار 2021، والتي وقعت في المدن المختلطة “الكلاسيكيّة”- تلك التي عاشت صدمة لم تحظً يومًا بالاعتراف ولم تُداوَ، ولذلك، فإنّها تتكرر من جديد.