ما زالت ترن في أذني جملته: “ساخدم بالجيش إذا أنهت إسرائيل الإحتلال”
نشر في صحيفة هآرتس بتاريخ 23 فبراير 2022 في قسم“الساحه”
من رغده عواد
(رغده محاميه وناشطة اجتماعيه – نسويه،خريجة دورة وكلاء التغيير بمجال المحاماه التابعه لمدرسة السلام، الفوج الثالث 2021-2022)
انتهت الشهر الماضي سيرورة شُجاعة بعثت في نفسي الأمل بشراكة يهوديّة – عربيّة، كانت تلك سيرورة خاضتها مجموعة من المحامين اليهود والفلسطينيين من مواطني الدولة الذين شارَكوا في دورة تدريبية كان هدفها إعداد محامين قادرين على خلق تغيير اجتماعي. عُقدت هذه الدورة التدربية في مدرسة السلام الواقعة في “واحة السلام”، التي تهدف إلى خلق مُجتمَع أكثر إنسانية، تكافؤا، وعدلا في إسرائيل. كانت تلك المجموعة فُضوليّة، متعطّشة للتفكير، النقاش بل ولتناول مواضيع مركبة تتعلق بواقعنا السياسيّ.
تضمّنت اللّقاءات مضامين مختلفة، خاصة مضامين تتعلق بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني والشراكة اليهوديّة – العربيّة، حيث نوقشت تلك من قِبل مُحاضِرين، مُحاضِرات، باحثين، وناشطين سياسيّين يساهمون بعزيز قيَم الشراكة والنهوض بالمجتمع الفلسطيني. سافَرنا وضمن الدورة إلى القدس الشرقية وعكّا القديمة – مدينتان تشهدان عملية تهويد ممنهجة تقوم بها السلطات الإسرائيلية مما يخلق توترا سياسيا شديدا.
كانت الدورة تجربة هامّة ومؤثّرة بالنسبة لنا جميعًا، بل وشكلت فرصة ذهبية لإعادة التفكير في هذه المواضيع داخل المجموعات ثنائية وأحادية القوميّة بمعزلٍ عن الخطاب السياسي السائد. اكتشفتُ خلال هذه الحوارات ككثيرين زملائي، أن اختلافات كثيرة تسود المجموعة القوميّة التي انتمى كلٌ منا إليها. فمثلا تمحورت نقاشاتنا داخل المجموعة الفلسطينية حول النقد الاجتماعيّ الذاتي ومسؤولية المجتمع العربي عن واقعه الحالي رغم تشرذمه وتمزقه. جمعتنا كفلسطينيّين نفس الهوية القومية القوية، لتعلق عليها المجموعة اليهوديّة مُدعية أنها تسيطر على النقاش. بالمقابل، كنّا مختلفين جدًّا حزبيّا، وعليه تصادمت مواقفنا السياسيّة، خاصة عندما ناقشنا الحقوق المدنيّة والقوميّة والخطوات السياسية التي اتّخذها منصور عباس.
لكننا وجدنا أنفسنا تدريجيّا نناقش مواضيع مركبة، ونتحدث عن قضايا شائكة كالنكبة، الاحتلال، ضمّ الضفة الغربية، القوميّة الفلسطينية، يهوديّة دولة إسرائيل، التمييز العنصري ضدّ العرب، الانتفاضة، التطبيع، اللاجئين الفلسطينيين، ومسؤوليتنا عن كلّ ذلك. مع مرور الوقت، بات قدومنا ومشاركتنا في الدورة أمرًا عسيرا.
لم تكن النقاشات هينة البتة، فحين طالبنا كفلسطينيين بحق إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة، عَلت ومن جانب بعض أفراد المجموعة اليهوديّة معارضة شديدة لفكرة إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة. حيث دعم هؤلاء فقط، كيانًا فلسطينيا ذو سيادة، سلطة محدودة لكنه منزوع السلاح. لن أنسى ما حييت مقولة أحد المشارِكين اليهود، الذي كرر على مسامعنا بأن علينا الإمتنان لما تقدمه لنا دولة إسرائيل دون أن ننبس ببنت شفة!
غضبنا خلال اللقاءات، غادرنا الغرفة، بكينا، خُذلنا، بل وخالفنا المحاضرين الرأي. صمتنا، تجاهلنا بل وندمنا في بعض الأحيان على اشتراكنا بهذه الدورة. لكننا أدركنا أنّ حق الوجود والعيش في الحيّز المشترك، مطلب شرعي لكلا المجموعتين. ورغم أهمية هذه التجربة، إلا أننا لم نتفق على الكثير من الأمور، فقد كانت تجاربنا مختلفة، بل وتعلقت كلها بنظري برغبة واستعداد كل طرف لتقديم تنازلات.
نشر في صحيفة هآرتس بتاريخ 23 فبراير 2022 في قسم“الساحه”