كسر التابوهات: مفهوم المصطلحات في مناقشة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في السياق الدولي
إن نقاش ما يسمى بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، غالبًا ما يثير العديد من المشاعر القوية ويؤدي إلى توترات ملحوظة، ورغم أهميته البالغة، إلا أنه يعتبر موضوعًا حساسًا للغاية. في أنحاء العالمي والمجتمعات الدولية، ترتبط هذه النقاشات كذلك بتوتر، حيث يشعر كثيرون بالقلق من استخدام مصطلحات قد تكون خاطئة أو غير مفهومة بشكل دقيق، ما قد يؤدي إلى إساءة فهمهم أو مضايقتهم للآخرين. بناءً على هذه التحديات، طورنا في مدرسة السلام (SFP) ورشة تدريبية مبتكرة وريادية تدرس المصطلحات الشائعة في الخطاب العام، وتهدف مساعدة المشاركين والمشاركات على التعامل مع هذا الموضوع الشائك بثقة وحساسية.
عادةً يواجه المشاركون والمشاركات صعوبة في الحديث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كونه يمثّل قضية هامّة بالنسبة لهم بالإضافة إلى ترددهم في التعبير عن آرائهم بحريّة خشيةً من ردود أفعال محيطهم الاجتماعي. في الواقع، تصبح التجربة المركزية في هذا السياق، هي تجربة لإسكات وكتم صوت وعدم قدرة على الحديث عن الموضوع. يرتبط العديد من المشاركين والمشاركات بالصراع من خلال علاقاتهم العائلية أو الهويّاتية، والمناقشات حول هذا الموضوع تكشفهم بشكل شخصي. المساهمة الرئيسية للورشة تكمن في فهم أن كل اصطلاح أو مفهوم نستخدمه يؤثر على المستمعين، ومن المهم أن نفهم ما نريد تحقيقه أو التعبير عنه عندما نختار استخدام اصطلاح أو آخر.
تفكيك المصطلحات لتمكين الحوار
تركز الورشة على طريقة استخدام اللغة وأثرها في تشكيل فهمنا للصراع. من خلال قائمة مختارة مسبقًا من المصطلحات مثل “الصراع”، “الاحتلال”، “الأبارتهايد”، و”الاستعمار”، يتمكن المشاركون والمشاركات من التعمّق بديناميكيات القوّة، والمفاهيم التاريخية والقانونية والسياقات السياسية لتوظيف هذه المصطلحات.
خلال الورشة، يشترك المشاركون والمشاركات في مناقشات منظمة للنظر في أسباب وكيفية اختيارهم مصطلحات معينة. تسمح لنا هذه العملية بالتعمق أكثر في السرديات والتوترات التي تثيرها هذه الكلمات.
تشجع هذه السيرورة كافة المشاركين والمشاركات على إعادة النظر في خياراتهم اللغوية وتأثيراتها على الحوار. تتيح إعادة النظر هذه امكانية التعبير عن المواقف والآراء بطريقة مدروسة مع التطرّق للتجارب والتأويلات المختلفة وأخذها بعين الاعتبار.
أهمية اللغة
الكلمات ليست محايدة؛ الكلمات تؤثر على التصوّرات، والعلاقات، وإمكانية بلورة خطاب بنّاء. من خلال التركيز على المصطلحات، توفر ورشة مدرسة السلام للمشاركين والمشاركات الأدوات اللازمة للتوجه الآمن للمحادثات حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة أكثر وضوحًا واحترامًا. الهدف هو خلق حيّزات تمكّن المشاركين والمشاركات من التعبير عن مواقفهم وآرائهم بطريقة تعزز الحوار بدلا من خلق الاستفزاز.
تأثير عملي للورشة:
في العام الماضي، قدمت مدرسة السلام الورشة لمجموعات متنوعة، كل منها يواجه تحديات فريدة مرتبطة بالصراع:
- تعاونية فنية في ألمانيا: استكشفت المجموعة، عند تحضيرها لمهرجان فنّي، كيف يمكن للغة أن تشكل وتبلور تعاونهم الإبداعي مع فنانين وفنانات إسرائيليين وفلسطينيين.
- مدربو معلمين في ألمانيا: ناقش المدربين والمدربات المسؤولين عن توجيه طواقم التدريس كيفية التوجه والتعامل مع الصراع في الفصول الدراسية وأثر المصطلحات على فهم الطلاب.
- ناشطين وناشطان لبناء السلام من دول البلقان ويوغوسلافيا سابقًا: شارك خلال مؤتمر “كونكتور” في براغ، 35 ممثلاً وممثلة عن منظمات غير حكومية، حيث تناولوا المصطلحات الرئيسية وتأثيراتها النفوذية في سياقات تاريخية شائكة.
استنتاجات الورشة:
كشفت الورشة عن رؤى مهمة حول تأثير المصطلحات على النقاشات:
1. “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”:
يُنظر إليه كمصطلح محايد، قد يوفّر فسحة للحوار، ولكنه إشكاليّ، كونه يشوّش ديناميكيات القوة ولا يعكس الواقع كما هو عليه.
2. “الاحتلال”:
تم التركيز عليه كونه مصطلحًا راسخًا في القانون الدولي، ولكنه يثير أسئلة حول تطبيقه في غزة مقارنةً بالضفة الغربية.
3. “الأبارتهايد”:
مصطلحًا أثار جدلًا بسبب سياقه في جنوب إفريقيا، وتوظيفه للتركيز على عدم المساواة الممنهجة. وجده بعض المشاركين والمشاركات أداة لخلق حوار وإثراء النقاش، في حين وجده آخرون مثيرًا للاستفزاز.
4. “القمع”:
تم توظيفه لوصف تجارب الفلسطينيين والفلسطينيات، كما تعامل حماس مع سكان غزة. تم وصفه بأنه مصطلح صحيح، ولكنه قد يكون ضبابيّ للغاية.
5. “الإرهاب/الإرهابيون”:
استُخدِم لوصف حركة حماس وأحداث 7 أكتوبر. وناقش المشاركون والمشاركات اسقاطات استخدام هذا المصطلح وما إذا كان يتوافق مع التعريفات الدولية.
6. “الاستعمار”:
رآه البعض كمُصطلح مفيد في سياق تاريخي عالمي، في حين رآه آخرون كمصطلح غربي للغاية وغير مناسب للواقع الحالي.
7. “التطهير العرقي”:
أشار بعض المشاركين والمشاركات إلى أن هذه العبارة تصف بدقة الواقع اليومي، حتى ولو اختاروا عدم استخدامها. يزيد على ضبابية المصطلح سؤال ان كنّا نُشير فيه إلى النكبة أم إلى واقع اليوم؟
يُنظر إليه أحيانًا على أنه يثير الاعتراض بسبب قوته، كما أن هناك نقصًا في التعريف الواضح والمعطيات الكافية التي تعيق توظيفه.
تردد العديد من المشاركين والمشاركات في استخدام هذا المصطلح بسبب ارتباطه بالهولوكوست.
8. “الأغلبية/الأقلية”:
أثار تساؤلات حول مدى ملاءمته لمجتمع منقسم وعدم الوضوح بشأن هوية الأغلبية والأقلية في سياقات مختلفة
مصطلحات إضافية اقترحتها المجموعات
خلال مناقشات الورشة، اقترح المشاركون والمشاركات مصطلحات إضافية لتوضيح تعقيد الصراع بشكل أفضل:
1.“الصراع الإثنيّ”:
يصف طبقات الصراع التي جرت قبل إقامة دولة إسرائيل، مع ملاحظة أن مصطلح “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” يتجاهل أحيانًا اليهود-العرب والفلسطينيين-الإسرائيليين. وقد أثار هذا المصطلح تحفظات وتردداً بسبب سياقاته التاريخية الشديدة، وخاصة مع المحرقة، وبسبب الخلفية القانونية المطلوبة لتوظيفه بدقة. ومع ذلك، فقد اعتبره البعض طريقة دقيقة لوصف الواقع اليومي.
2.“قضية مؤلمة ومأساوية وغير قابلة للحل”:
مقولة استخدمت لتجنب الحكم، والتعبير عن التعقيد العاطفي للموقف، وخلق حيزًا وفضاءً آمن لوجهات نظر إضافية.
3.“قتل منهجي / جرائم الحرب”:
أُضيف لوصف أفعال مشينة مثل قتل الأطفال، والتعذيب، وانتهاك اتفاقيات جنيف.
4.“الصراع/الحرب عبر الوكلاء”:
جاء لتمثيل وإظهار تورّط القوى العالمية العظمى في دعم كل جانب، وتقديم السياق الجيوسياسي الأوسع.
المشاركة التأملية وبناء الهوية
في كثير من الأحيان، يؤكد المشاركون والمشاركات في ورش عمل مدرسة السلام SFP أن التعامل مع القضايا الشخصية والهامة، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يؤدي إلى فهم أعمق لهويتهم وقيمهم. إن الانشغال في الصراع ضمن إطار منظم يشجع المشاركين والمشاركات على توضيح مساعيهم وملائمة وجهات نظرهم مع معتقداتهم الراسخة.
نتيجة لذلك، فإن عملية الانشغال المدروس في هذا السياق لا تعزز الحوار مع الآخرين فحسب، بل إنها تعزز أيضًا حوارهم الداخلي مع أنفسهم.
بحسب أحد المشاركين من مجموعة الفنانين: “لقد زودتني الورشة بالأدوات والرؤى للتعامل مع الصراع بطريقة مدروسة“.
وعلى نحو مماثل، أشار أحد المشاركين من مجموعة موجّهي المعلمين: “كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لمناقشة صادقة بين وجهات نظر مختلفة حول الصراع“.
وقال أحد المشاركين في مؤتمر كونكتور: “لقد خلقت ورشة العمل تجربة فريدة فيها المشاركة والاستماع للآخر، لا تضر، بل تبني العلاقات“.
هذه الأمور تسلط الضوء على الإمكانات التطويرية والتحويلية التي تتمتع بها ورش العمل في غرس فهم عميق للصراع ومساعدة الأفراد على التعامل مع تجاربهم الشخصية.
رؤية مستقبلية
ورشة عمل المصطلحات التي تنظمها مدرسة السلام تمنح المشاركين الأدوات اللازمة للتعامل مع أحد أكثر المواضيع إثارة للخلاف في الخطاب العالمي. ومن خلال معالجة الحساسية اللغوية، تعمل الورشة على تعزيز ثقافة المحادثات الآمنة، المُحترمة للآخر والهادفة، مما يمكن الأفراد والمنظمات من التعامل بشكل بناء مع سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
–